responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 557
قَوْلُهُ: ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا وَهَذَا الْإِحْضَارُ يَكُونُ قَبْلَ إِدْخَالِهِمْ جَهَنَّمَ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى يُحْضِرُهُمْ عَلَى أَذَلِّ صُورَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: جِثِيًّا لِأَنَّ الْبَارِكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ صُورَتُهُ صُورَةُ الذَّلِيلِ أَوْ صُورَتُهُ صُورَةُ الْعَاجِزِ، فَإِنَّ قِيلَ هَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ لِلْكُلِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً [الْجَاثِيَةِ: 28] وَالسَّبَبُ فِيهِ جَرَيَانُ الْعَادَةِ أَنَّ النَّاسَ فِي مَوَاقِفِ الْمُطَالَبَاتِ مِنَ/ الْمُلُوكِ يَتَجَاثَوْنَ عَلَى رُكَبِهِمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الِاسْتِنْظَارِ وَالْقَلَقِ، أَوْ لِمَا يَدْهَمُهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْأَمْرِ الَّذِي لَا يُطِيقُونَ مَعَهُ الْقِيَامَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ، وَإِذَا كَانَ هَذَا عَامًّا للكل فكيف يدل على مزيد ذل الكفار؟ قُلْنَا: لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ مِنْ وَقْتِ الْحَشْرِ إِلَى وَقْتِ الْحُضُورِ فِي الْمَوْقِفِ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَذَلِكَ يُوجِبُ مَزِيدَ الذُّلِّ فِي حَقِّهِمْ. وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا وَالْمُرَادُ بِالشِّيعَةِ وَهِيَ فِعْلَةٌ كَفِرْقَةٍ وَفِئَةٍ الطَّائِفَةُ الَّتِي شَاعَتْ أَيْ تَبِعَتْ غَاوِيًا مِنَ الْغُوَاةِ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً [الْأَنْعَامِ: 159] وَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى يُحْضِرُهُمْ أَوَّلًا حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ثُمَّ يُمَيِّزُ الْبَعْضَ مِنَ الْبَعْضِ فَمَنْ كَانَ أَشَدَّهُمْ تَمَرُّدًا فِي كُفْرِهِ خُصَّ بِعَذَابٍ أَعْظَمَ لِأَنَّ عَذَابَ الضَّالِّ الْمُضِلِّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ عَذَابِ مَنْ يَضِلُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ عَذَابُ مَنْ يَتَمَرَّدُ وَيَتَجَبَّرُ كَعَذَابِ الْمُقَلِّدِ وَلَيْسَ عَذَابُ مَنْ يُورِدُ الشُّبَهَ فِي الْبَاطِلِ كَعَذَابِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ مَعَ الْغَفْلَةِ قَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ [النَّحْلِ: 88] . وَقَالَ: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [الْعَنْكَبُوتِ: 13] فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ يَنْزِعُ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مَنْ كَانَ أَشَدَّ عُتُوًّا وَأَشَدَّ تمردا ليعلم أن عذابه أشد، ففائدة هذه التَّمْيِيزِ التَّخْصِيصُ بِشِدَّةِ الْعَذَابِ لَا التَّخْصِيصُ بِأَصْلِ الْعَذَابِ، فَلِذَلِكَ قَالَ فِي جَمِيعِهِمْ: ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا وَلَا يُقَالُ أَوْلَى إِلَّا مَعَ اشْتِرَاكِ الْقَوْمِ فِي الْعَذَابِ، وَاخْتَلَفُوا فِي إِعْرَابِ أَيُّهُمْ فَعَنِ الْخَلِيلِ أَنَّهُ مُرْتَفِعٌ عَلَى الْحِكَايَةِ تَقْدِيرُهُ لَنَنْزِعَنَّ الَّذِينَ يُقَالُ فِيهِمْ أَيُّهُمْ أَشَدُّ وَسِيبَوَيْهِ عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لِسُقُوطِ صَدْرِ الْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ صِلَةٌ حَتَّى لَوْ جِيءَ بِهِ لَأُعْرِبَ وقيل أيهم هو أشد.

[سورة مريم (19) : الآيات 71 الى 72]
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (72)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قال من قبل: فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ [مريم: 68] ثم قال: ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ [مريم: 68] أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها يَعْنِي جَهَنَّمَ وَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْكُفَّارِ فَكَنَّى عَنْهُمْ أَوَّلًا كِنَايَةَ الْغَيْبَةِ ثُمَّ خَاطَبَ خِطَابَ الْمُشَافَهَةِ، قَالُوا: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَرِدُوا النَّارَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ [الْأَنْبِيَاءِ: 101] وَالْمُبْعَدُ عَنْهَا لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ وَارِدُهَا. وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها [الْأَنْبِيَاءِ: 102] وَلَوْ وَرَدُوا جَهَنَّمَ لَسَمِعُوا حَسِيسَهَا. وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ: وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ [النحل: 89] وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ:
إِنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها فَلَمْ يَخُصَّ. وَهَذَا الْخِطَابُ مُبْتَدَأٌ/ مُخَالِفٌ لِلْخِطَابِ الْأَوَّلِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا أَيْ مِنَ الْوَارِدِينَ مَنِ اتَّقَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا إِلَّا وَالْكُلُّ وَارِدُونَ وَالْأَخْبَارُ الْمَرْوِيَّةُ دَالَّةٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، ثُمَّ هَؤُلَاءِ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْوُرُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْوُرُودُ الدُّنُوُّ مِنْ جَهَنَّمَ وَأَنْ يَصِيرُوا حَوْلَهَا وَهُوَ مَوْضِعُ الْمُحَاسَبَةِ، وَاحْتَجُّوا عَلَى أَنَّ الْوُرُودَ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْقُرْبُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ [يُوسُفَ: 19] وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 557
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست